الأخيرة
ويبقى الوطن همنا الأكبر
أسرار المهنة

من أكثر الأسئلة التي توجه لكتَّاب الزوايا اليومية في الصحف، هذا السؤال: كيف يمكنك الكتابة يومياً، وفي مواضيع مختلفة؟
وما إن يشرع الكاتب المسكين في البحث عن إجابة لهذا اللغز حتى يفاجأ بمصيدة السؤال! فإذا السؤال بداية أسئلة لا تنتهي: من أين لك بكل هذه الثقافة؟ وكيف تجد الوقت الكافي للكتابة يومياً؟ وماذا تفعل إذا وجدت نفسك غير قادر على ابتداع موضوع ما ذات يوم؟
وماذا تقرأ؟ و··وسيل لا ينتهي من أسئلة ليست أكثر من فضول قراء ومشاعر أخرى!!
أتذكر أن الكاتب المصري مصطفى أمين صاحب زاوية ( فكرة) في صحيفة (( الأخبار )) المصرية ظل يكتب زاويته حتى في أصعب لحظات مرضه، وكان في صحته إذا سُئل كيف تكتب فكرتك اليومية، يقول : (( كل ما في الأمر أنني أغلق على نفسي الباب لمدة نصف ساعة، أكتب الفكرة وأخرج لأسلمها للمطبعة، دون أن أخوض في فلسفة أسئلة لا أدري ما ضرورتها .. أنا أكتب والسلام )).
وبالفعل فالكاتب مثل أي مبدع آخر أو صاحب (صنعة)، أعطاه الله أسرارها دون أن يتأمل في تفاصيلها بانبهار، حتى لا يقع في هاوية الإعجاب بذاته، كل ما يعلمه أنه وجد نفسه يسير في طريق إبداعي معين، وأن الله وضع فيه أسرار الطريق وكشف له كل الآفاق التي تمكنه من امتلاك أسباب التفوق، مع سر خفي غرسه في داخله، هو الموهبة التي تجعل الإبداع متألقاً ومستمراً وبه شيء من روعة الخلق، لأنه من عطاء الخالق.
مصطفى أمين، لم يكن يشعر بأنه يقوم بإعجاز بتلك الفكرة التي يبتدعها يومياً، وينتشر تأثيرها بين ملايين الناس· إنه وغيره من الكتاب والمبدعين، يمارسون إبداعهم بتلقائية، لكنهم بلا شك، قد حصلوا على نعمة الإبداع ونعمة التلقائية تلك، عبر طريق طويل وشاق جداً.
سألتني زميلة ذات يوم وكنا طالبات في الجامعة (( كيف يمكن أن أصبح قارئة )) ؟
توقفت كثيراً عند سؤالها، فعادت تقول بما يشبه البحث عن حل (( ضعي لي خطة للقراء أريد أن أقرأ في الأدب والسياسة والروايات العالمية )) ولما رأيت إصرارها وأفقها، وناولتها بعد أيام كتابين اعتقدت بأنهما مناسبات لفتاة تبدأ أولى خطواتها في دنيا القراءة. وانتظرت النتيجة، وما هي إلا أيام، حتى جاءتني تحمل الكتابين قائلة (( شكراً لمحاولتك، لم استطيع الصبر على القراءة، شعرت بالملل))!.
هذا هو الفرق بين شخص يؤسس حياته على نمط معين، ويكُرس أوقاته وحياته وأمواله أحياناً لهذا النمط أو التوجيه، مع ما يمنحه الله إياه من رغبة وموهبة للسير في هذا الطريق ومع أشخاص يعتقدون بأن المواهب والملكات الفردية وخصوصيات الإبداع يمكن تقليدها أو شراؤها أو قراءة كتاب وصفات سريعة وتنفيذها من خلاله. مثل تلك الزميلة التي اعتقدت بأن الثقافة والاطلاع والقراءة أمر سهل. ما عليها سوى أن تتخيل نفسها مطلعة. وستصبح هكذا بالفعل لقد خلق الله الخلق وقسُم عليهم الأرزاق وقدرهم لما خلقهم له، وكل مقدر لما خلق له، ولكل صنعة أسرارها.
  
عائشة سلطان
 ayya-222@hotmail.com
X
تساعدنا ملفات تعريف الارتباط في تحسين تجربة موقع الويب الخاص بك. باستخدام موقعنا، أنت توافق على اسخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
غلق
ملاحظاتك
المساعد الافتراضي
qr-code
حجز موعد